محمد صديق المنشاوي

9

هدي النبي صلّى الله عليه وسلّم في الزَّواج

هدي النبي صلّى الله عليه وسلّم في الزَّواج



كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح الحضّ على تيسيره، والقيام على إعلانه وإظهاره، وإظهار الفرح والبشر به، وعمل الوليمة والدعوة إليها، وأمر المدعوين بالحضور، ولو كان أحدهم صائمًا، فليحضر وليدْعُ لصاحب الوليمة، ولا عليه أن لا يطعم. ثم المعاشرة بالمعروف، والأخذ بأسبابها.

هذا الإجمال، وإليك البيان والتفصيل:

أولاً- يسر الصداق:
روى البيهقي أَنَّ النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرَهُ"[1]. قال في عون المعبود: "أَيْ: أَسْهَله عَلَى الرَّجُل بِتَخْفِيفِ الْمَهْر وَغَيْره. وَقَالَ الْعَلاَّمَة الشَّيْخ الْعَزِيزِيّ: أَيْ: أَقَلّه مَهْرًا، أَوْ أَسْهَله إِجَابَة لِلْخِطْبَةِ".

وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ: تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا، وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا"[2].

وروى الترمذي عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قال: "أَلا لا تُغَالُوا صَدُقَةَ النِّسَاءِ, فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ، لَكَانَ أَوْلاكُمْ بِهَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, مَا عَلِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَكَحَ شَيْئًا مِنْ نِسَائِهِ وَلا أَنْكَحَ شَيْئًا مِنْ بَنَاتِهِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً[3]"[4].

ثانيًا- إعلان النكاح:
روى الترمذي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ"[5].

وروى النسائي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ: الدُّفُّ، وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ"[6].

والضرب بالدف في النكاح مخصوص بالنساء.

قال الحافظ في الفتح: "وَالأَحَادِيث الْقَوِيَّة فِيهَا الإِذْن فِي ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ، فَلا يَلْتَحِق بِهِنَّ الرِّجَال؛ لِعُمُومِ النَّهْي عَن التَّشَبُّه بِهِنَّ".

ثالثًا- الوليمة:
وهي سُنَّة مؤكدة في العرس، وهي من إعلان النكاح، ومن إظهار البِشْر والسرور به.

فعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ لما تزوج: "أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ"[7].

وقال بعض العلماء بوجوبها؛ لما رواه أحمد عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا خَطَبَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهُ لا بُدَّ لِلْعُرْسِ مِنْ وَلِيمَةٍ"[8].

ويجب الحضور للوليمة إذا دُعي إليها؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا"[9].

وقال ابن عثيمين رحمه الله: "يقول العلماء رحمهم الله: إنه تجب إجابة دعوة العرس في أول مرة، أي أول وليمة إذا عيَّنه سواء بنفسه، أو بوكيله، أو ببطاقة يرسلها إليه، بشرط ألا يكون في الوليمة منكر، فإن كان فيها منكر ففيه تفصيل: إن كان إذا حضر أمكنه منع المنكر وجب عليه الحضور، وإن كان لا يستطيع فإنه لا يجوز له أن يحضر"[10].

وتجوز الوليمة بغير لحم، فقد روى البخاري عن أنس -رضي الله عنه- قال: أَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلاثَ لَيَالٍ يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إلى وَلِيمَتِهِ، وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلا لَحْمٍ، وَمَا كَانَ فِيهَا إِلاَّ أَنْ أَمَرَ بِلَالاً بِالأَنْطَاعِ[11] فَبُسِطَتْ، فَأَلْقَى عَلَيْهَا التَّمْرَ وَالأَقِطَ[12] وَالسَّمْنَ[13].

رابعًا- تهنئة الزوج:
يستحب تهنئة الزوج بتهنئة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ إِذَا رَفَّأَ الإِنْسَانَ (إِذَا تَزَوَّجَ)، هنَّأه ودعا له قَالَ: "بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ"[14].

خامسًا- ما يستحب للزوج:
يستحب للزوج عند الدخول بزوجته عدة أمور، منها:

1- ملاطفة الزوجة عند البناء بها:

فروى أحمد عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كُنْتُ صَاحِبَةَ عَائِشَةَ الَّتِي هَيَّأَتْهَا وَأَدْخَلَتْهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعِي نِسْوَةٌ. قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا وَجَدْنَا عِنْدَهُ قِرًى إِلاَّ قَدَحًا مِنْ لَبَنٍ. قَالَتْ: فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ عَائِشَةَ، فَاسْتَحْيَت الْجَارِيَةُ، فَقُلْنَا: لاَ تَرُدِّي يَدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، خُذِي مِنْهُ. فَأَخَذَتْهُ عَلَى حَيَاءٍ، فَشَرِبَتْ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: (نَاوِلِي صَوَاحِبَكِ). فَقُلْنَا: لا نَشْتَهِهِ. فَقَالَ: (لا تَجْمَعْنَ جُوعًا وَكَذِبًا)"[15].

2- وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها:

لما روى أبو داود عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فلِيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا ولْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ"[16].

3- صلاة ركعتين معًا:

استحب بعض السلف أن يصليا ركعتين معًا؛ فروى ابن أبي شيبة (17156) عن شقيق قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال: إني تزوجت جارية شابة، وإني أخاف أن تفركني (تبغضني). قال: فقال عبد الله: "إن الإلْفَ من الله، والفرك من الشيطان، يريد أن يكرِّه إليكم ما أحل الله لكم، فإذا أتتك فمُرْها أن تصلي وراءك ركعتين"[17].

4- الدعاء عند إتيان الأهل:

وينبغي أن يقول حين يأتي أهله: (بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا)؛ لما رواه البخاري عَن ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ وَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا. فَرُزِقَا وَلَدًا، لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ"[18].

وأخيرًا، تتأكد الوصية بالمعاشرة بالمعروف، وأن يتقي الله فيها، وأن تتقي الله فيه. قال الله عز وجل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا صَلَّت الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ"[19].

[1] البيهقي(14721)، وهو عند أبي داود (2117) بلفظ: "خير النكاح أيسره". وصححه الألباني.

[2] رواه أحمد (23957)، وابن حبان (4095), وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2235).

[3] الأوقية: أربعون درهمًا، ووزن الدرهم بالجرامات: 2.975 جرامًا.

[4] الترمذي (1114), صححه الألباني في صحيح الترمذي.

[5] الترمذي (1089), وحسنه الألباني في "الإرواء" (7/50).

[6] النسائي (3369), وحسنه الألباني.

[7] متفق عليه.

[8] رواه أحمد (22526)، وقال الألباني في آداب الزفاف (72): "وإسناده -كما قال الحافظ في الفتح- لا بأس به".

[9] متفق عليه.

[10] "لقاء الباب المفتوح" (13/133), ويُراجع جواب السؤال رقم: (22006).

[11] الأنطاع: جمع النطع، وهو البساط من الجلد.

[12] الأقط: اللبن المحمض يجمد حتى يستحجر ويطبخ أو يطبخ به.

[13] رواه البخاري (4213).

[14] رواه أبو داود (2130)، وصححه الألباني.

[15] رواه أحمد (26925), وحسنه الألباني في آداب الزفاف (19).

[16] رواه أبو داود (2160)، وحسنه الألباني.

[17] صححه الألباني في آداب الزفاف (24).

[18] رواه البخاري (3271).

[19] صححه الألباني في تخريج المشكاة (3254).
شارك:
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

تلاوات خاشعة لمختلف القراء

أرشيف المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة